القائمة الرئيسية

الصفحات

تحليل قصيدة "عاشق من فلسطين" للشاعر الفلسطيني محمود درويش




نص القصيدة :

عيونك شوكة في القلب 
توجعني ..و أعبدها 
و أحميها من الريح 
و أغمدها وراء الليل و الأوجاع.. أغمدها 
فيشعل جرحها ضوء المصابيح 
و يجعل حاضري غدها 
أعزّ عليّ من روحي 
و أنسى، بعد حين، في لقاء العين بالعين 
بأنّا مرة كنّا وراء، الباب ،إثنين! 
كلامك كان أغنية 
و كنت أحاول الإنشاد 
و لكن الشقاء أحاط بالشفقة الربيعيّة 
كلامك ..كالسنونو طار من بيتي 
فهاجر باب منزلنا ،و عتبتنا الخريفيّة 
وراءك، حيث شاء الشوق.. 
و انكسرت مرايانا 
فصار الحزن ألفين 
و لملمنا شظايا الصوت! 
لم نتقن سوى مرثية الوطن 
سننزعها معا في صدر جيتار 
وفق سطوح نكبتنا، سنعزفها 
لأقمار مشوهّة ..و أحجار 
و لكنيّ نسيت.. نسيت يا مجهولة الصوت: 
رحيلك أصدأ الجيتار.. أم صمتي؟! 
رأيتك أمس في الميناء 
مسافرة بلا أهل .. بلا زاد 
ركضت إليك كالأيتام، 
أسأل حكمة الأجداد : 
لماذا تسحب البيّارة الخضراء 
إلى سجن، إلى منفى، إلى ميناء 
و تبقى رغم رحلتها 
و رغم روائح الأملاح و الأشواق ، 
تبقى دائما خضراء؟ 
و أكتب في مفكرتي: 
أحبّ البرتقال. و أكره الميناء 
و أردف في مفكرتي : 
على الميناء 
وقفت .و كانت الدنيا عيون الشتاء 
و قشرةالبرتقال لنا. و خلفي كانت الصحراء ! 
رأيتك في جبال الشوك 
راعية بلا أغنام 
مطاردة، و في الأطلال.. 
و كنت حديقتي، و أنا غريب الدّار 
أدقّ الباب يا قلبي 
على قلبي.. 
يقوم الباب و الشبّاك و الإسمنت و الأحجار ! 
رأيتك في خوابي الماء و القمح 
محطّمة .رأيتك في مقاهي الليل خادمة 
رأيتك في شعاع الدمع و الجرح. 
و أنت الرئة الأخرى بصدري .. 
أنت أنت الصوت في شفتي .. 
و أنت الماء، أنت النار! 
رأيتك عند باب الكهف.. عند الدار 
معلّقة على حبل الغسيل ثياب أيتامك 
رأيتك في المواقد.. في الشوارع.. 
في الزرائب.. في دم الشمس 
رأيتك في أغاني اليتم و البؤس ! 
رأيتك ملء ملح البحر و الرمل 
و كنت جميلة كالأرض.. كالأطفال.. كالفلّ 
و أقسم: 
من رموش العين سوف أخيط منديلا 
و أنقش فوقه لعينيك 
و إسما حين أسقيه فؤادا ذاب ترتيلا .. 
يمدّ عرائش الأيك .. 
سأكتب جملة أغلى من الشهداء و القبّل: 
"فلسطينية كانت.. و لم تزل!" 
فتحت الباب و الشباك في ليل الأعاصير 
على قمر تصلّب في ليالينا 
وقلت لليلتي: دوري! 
وراء الليل و السور.. 
فلي وعد مع الكلمات و النور.. 
و أنت حديقتي العذراء.. 
ما دامت أغانينا 
سيوفا حين نشرعها 
و أنت وفية كالقمح .. 
ما دامت أغانينا 
سمادا حين نزرعها 
و أنت كنخلة في البال، 
ما انكسرت لعاصفة و حطّاب 
وما جزّت ضفائرها 
وحوش البيد و الغاب.. 
و لكني أنا المنفيّ خلف السور و الباب 
خذني تحت عينيك 
خذيني، أينما كنت 
خذيني ،كيفما كنت 
أردّ إلي لون الوجه و البدن 
وضوء القلب و العين 
و ملح الخبز و اللحن 
و طعم الأرض و الوطن! 
خذيني تحت عينيك 
خذيني لوحة زيتّية في كوخ حسرات 
خذيني آية من سفر مأساتي 
خذيني لعبة.. حجرا من البيت 
ليذكر جيلنا الآتي 
مساربه إلى البيت! 
فلسطينية العينين و الوشم 
فلسطينية الإسم 
فلسطينية الأحلام و الهم 
فلسطينية المنديل و القدمين و الجسم 
فلسطينية الكلمات و الصمت 
فلسطينية الصوت 
فلسطينية الميلاد و الموت 
حملتك في دفاتري القديمة 
نار أشعاري 
حملتك زاد أسفاري 
و باسمك صحت في الوديان: 
خيول الروم! أعرفها 
و إن يتبدل الميدان! 
خذوا حذّرا.. 
من البرق الذي صكّته أغنيتي على الصوّان 
أنا زين الشباب ،و فارس الفرسان 
أنا. و محطّم الأوثان. 
حدود الشام أزرعها 
قصائد تطلق العقبان! 
و باسمك، صحت بالأعداء: 
كلى لحمي إذا ما نمت يا ديدان 
فبيض النمل لا يلد النسور.. 
و بيضة الأفعى .. 
يخبىء قشرها ثعبان! 
خيول الروم.. أعرفها 
و أعرف قبلها أني 
أنا زين الشباب، و فارس الفرسان

 

 

تحليل قصيدة "عاشق من فلسطين" للشاعر محمود درويش :                                    

      تعكس هذه القصيدة عشق الشاعر للوطن، ويتحدث فيها عن المنفى والعودة.يستهل الشاعر قصيدته في تغزله بمحبوبته "الوطن"؛ فعيونها أي ذكراها شوكة في قلبه تسبب له الألم، لا سيما، عندما يتذكر أحداث النكبة، وما قام به المحتلون من ممارسات وحشية ضد الفلسطينيين، ويريد الشاعر أن يحمي هذا الوطن من الريح؛ أي من الضياع ، فالريح رمز للضياع. شبه الشاعر هذا الوطن بالسيف الذي يريد أن يغمده بالمقاومة باعتبارها الغمد الذي يحمي الوطن من المحتلين، فالمقاومة هي التي تضيء لنا نور الحرية.

        ويؤكد الشاعر على أننا نحيا هذا الوطن بالمقاومة؛ من أجل الوصول إلى غد أفضل.يتذكر الشاعر نفسه والوطن قبل النكبة، فقد كان هو والمحبوبة "الوطن" خلف الباب، والباب هنا هو باب منزله القديم، وهو الحد الفاصل بين الداخل: الوطن، والخارج: المنفى، هو بداية التشرد والضياع، وهو في الوقت نفسه باب العودة.

    لقد نظم الشاعر قصائد كثيرة تغنى فيها بالوطن، وذكر معاناته، فكلامه عن وطنه كان أغنية، ولكنها لم تسلم من الشقاء، وقد شبهها بطائر السنونو، وهو طائر يهاجر إلى الأماكن الدافئة، وهنا يرمز الشاعر إلى فقدان الوطن وغيابه بسبب الطيران السريع لهذا الطائر الذي يرمز إلى هجرة اللاجئين، وسبب هذه الهجرة هو "العتبة الخريفية": التي رمز بها إلى الاحتلال وتهجيره للفلسطينيين الذين أرغموا على ترك وطنهم. لقد عبر الشاعر عن الحزن والألم نتيجة اللجوء والضياع بانكسار المرايا.

      وفي المنفى أصبح الشيء الوحيد الذي يتقنه اللاجئون هو البكاء على ضياع الوطن"مرثية الوطن".لكن الشاعر يؤكد على عدم نسيانه لقضيته، واستمراره بالتغني بها فوق سطوح النكبة، والسطح هنا رمز لانطلاقة الرؤية؛ لأن الرؤية تكون شاملة واضحة إذا كانت من السطح، ويرى الشاعر أن غيثاره أصبح صدئا إما بسبب رحيله عن وطنه، أو بسبب صمته وتوقفه عن نظم القصائد.

           يتحدث الشاعر عن الميناء، ولكنه يكرهه؛ لأنه المكان الذي من خلاله بدأت رحلة اللجوء والتشرد والضياع. هذا الوطن أصبح بلا أهل وبلا زاد؛ فالأهل "اللاجئون" خرجوا من الوطن رغما عنهم، والزاد "المناضلون" هم جزء من اللاجئين، وقوله "كالأيتام" دليل على شعوره بالظلم والحزن. يتساءل الشاعر عن سبب إخراج الفلسطينيين من وطنهم: "البيارة الخضراء"، وإعطائه للأعداء.

     في حين تشرد أهله فأصبحوا إما في السجن، وإما في المنفى، وإما في الميناء في انتظار التشرد والضياع. ويعود الشاعر على أن فلسطين ستبقى خضراء دائما، وهذا رمز للخصوبة والنماء، ففي اللون الأخضر معاني الخير. ويدون الشاعر في مفكرته أنه يحب البرتقال، ويكره الميناء؛ لأنه بداية الضياع والتشرد.

    وقد شبه الشاعر الدنيا عندما غادر اللاجئون الميناء بالإنسان الذي يبكي للدلالة على الحزن والبكاء حين قال :"عيون شتاء". وبعدما كنا نملك بيارات البرتقال "الوطن" أصبح الآن قشر البرتقال لنا، أما الثمار فغدت للأعداء ينعمون فيها.

     يرى الشاعر محبوبته "فلسطين" في جبال الشوك رمز الألم والصعاب أثناء رحلة التهجير راعية، ولكنها بلا أغنام، أي بلا أهل ولا مناضلين. لكن الشاعر يرسم لفلسطين في مخيلته صورة جميلة جدا، فهي حديقته التي يلجأ إليها بمخيلته كلما ضاقت به الدنيا. وعندما يقول :"أنا غريب الدار" هنا يظهر شعوره الحقيقي؛ فهو لن يعود إلى بيته لأن الاحتلال هدمه بل سوّى قرية "البروة" – قرية الشاعر- بالأرض، ولم يعد لها وجود، فيدق الشاعر على قلبه مكان الآمال والأحلام والآلام. يرى الشاعر محبوبته في خوابي الماء والقمح؛ للتأكيد على أساس حياة الفلسطيني البسيطة التي تعتمد على الماء والخبز.

       رأى الشاعر المحبوبة "الوطن" محطمة بسبب ممارسات الاحتلال، و"الليل" الظلم، فأصبحت خادمة للعدو، أما الشعاع فهو رمز الأمل والتفاؤل وبداية الحرية. ويعتبر الشاعر الوطن بمثابة الرئة للإنسان،فهو أساس حياته الذي يتنفس منه ليبقى على قيد الحياة. هذا الوطن هو "الماء" أي المقاومة التي ستطفئ "النار" الاحتلال، ويرمز الشاعر بالكهف والنار والموقد والشوارع والزرائب على ضرورة استمرار المقاومة، وعدم الاستسلام للعدو.

     وعندما يقول الشاعر: :"معلقة على حبل الغسيل ثياب أيتامك" نلاحظ أن هذه الصورة مستوحاة من حبل الغسيل بالخيام التي سكنوها في بداية رحلة التشرد واللجوء، أما قوله:"دم الشمس" فالشمس رمز الحرية، ولكن هذه الحرية حمراء بلون الدم للتأكيد على أن الحرية مقرونة بالتضحيات والاستشهاد في سبيل الوطن، أما البحر في هذه القصيدة فكان رمزا للرحيل والعودة ، ورمزا للثورة والغضب.ويتغنى الشاعر ببراءة فلسطين قبل النكبة فيشبهها بالأطفال، ثم يشبهها بالفل.

      يريد الشاعر أن يقدم للوطن هدية ثمينة هي عبارة عن منديل يخيطه من رموش عينيه؛ فالعين هي نافذة الإنسان على العالم المحيط به، وهي التي يرى بها الشاعر وطنه، فقد اختار العين للدلالة على أهمية الوطن بالنسبة له، وسوف يزين هذا المنديل بقصائده الوطنية ويسميه باسم الوطن "فلسطين"، ويؤكد الشاعر على أن فلسطين ستبقى للفلسطينيين دائما وأبدا كما كانت قبل عام 1948م حين يقول:"فلسطينية كانت ... ولم تزل".

    يرمز الشاعر بالباب والشباب إلى الأمل والحرية في "ليل الأعاصير" الاحتلال وممارساته بما فيها القتل والتشريد، ويؤكد استمراره في نظم القصائد، فهذا الوطن هو الفتاة الجميلة العذراء التي تنظم فيها أجمل القصائد التي هي بمثابة السيوف التي تشرع في وجه المحتلين.فلسطين بالنسبة للفلسطينيين هي المح ، أصل رغيف الخبز، أي أصل البقاء على قيد الحياة، ويشبه الشاعر طول تفكيره بفلسطين بطول النخلة الصامدة التي لم تنكسر أمام جبروت الاحتلال، وشبهها بالفتاة ذات الضفائر الجميلة التي لم يتمكن الاحتلال "وحوش الغاب" من قص ضفائرها.

      يريد الشاعر من الوطن أن يعيده إليه في أي مكان داخل فلسطين، وعلى أية حال المهم أن يعود إلى وطنه حتى يعود له لونه الحقيقي، ويكرر العين لأنها هي التي ستجعله ينعم بالنظر إلى وطنه مجددا أما قوله :"ملح الخبز واللحن" فجاء للتأكيد على الهوية الفلسطينية والانتماء للوطن. والشاعر حين يؤكد على عودته للوطن، ويرضى أن يكون أي شيء :حجرا، أو زينة، أو لعبة إنما يريد أن يؤكد للجيل الآتي من أبناء اللاجئين حق العودة والطريق إلى الوطن.يتغزل الشاعر بمحبوبته فيضفي عليها كل الصفات الفلسطينية باعتبارها رمز الوطن؛ فهي فلسطينية العينين والوشم والأحلام، وكل أعضاء جسدها تتعلق بفلسطين.

      يؤكد الشاعر انه حمل القضية الفلسطينية معه أينما ذهب، ونظم أشعارا وطنية تؤكد على القضية الفلسطينية، ومأساة الشعب الفلسطيني، وحقه بالعودة إلى وطنه. وعندما يتحدث عن "خيول الروم" يتحدث عن الاحتلال الذي هو تكرار لما فعله الروم مع تغير الأرض والعدو، أما الظلم والاستبداد فهو نفسهن ولكن الشاعر يحذر الاحتلال من "البرق" الثورة ، ويؤكد على الفروسية والعروبة التي تأبى الذل :"وفارس الفرسان". وعندما يقول: حدود الشام أزرعها...........................، فهو يشبه قصائده بالنبات الذي سيزرع في حدود بلاد الشام ، وسيكون سببا في إطلاق "العقبان" الثوار.

     في نهاية القصيدة يشبه الشاعر الأعداء بالديدان تحقيرا لهم ، فقوله :" كلي لحمي إذا ما نمت يا ديدان" أي بإمكان الاحتلال أن يأكل لحم الفلسطينيين في حال توقفهم عن المقاومة والنضال والتصدي للاحتلال، ويشبه الاحتلال ببيض النمل ليحقر من شأنهم فهم لا يرتقون إلى الجوارح المفترسة فهي لا تلد النسور. أما النسور هنا فهم أطفال الحجارة، وأهل الوطن، أهل الحق. و"بيضة الأفعى" قصد بها إسرائيل يخبيء قشرها "الثعبان" أي أمريكا التي تحمي إسرائيل وتزودها بالقوة.



تعليقات

تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم - تى جو