أ. الأدب الجزائري الحديث:
هو الأدب الذي ينتمي إلى المرحلة الممتدة بين 1830م و نهايات القرن العشرين. ومن الدارسين من يجعله بين تاريخ احتلال الجزائر من طرف فرنسا إلى غاية نهاية الستينات من القرن العشرين.
ويعد مابعد هذه المرحلة أدبا معاصرا، على اعتبار أن عددا من أدباء المرحلة الأخيرة ما زال معاصرا. لكن الأدب الجزائري الذي ينتمي إلى بدايات العصر الحديث قليل جدا بل نادر والسبب الأول في ذلك هو الاستعمار، الذي كان هدفه الأساسي محو الأمة الجزائرية من الوجود واستبدالها بأمة فرنسية على غرار ما فعلته كثير من الدول الاستعمارية آنذاك.
ومن شعراء وأدباء هذه المرحلة نجد أمثال: حمدان بن عثمان خوجة، ومحمد بن الشاهد، وقدور بن رويلة، والأمير عبد القادر وآخرون، فظهر في شعر هؤلاء جميعا الشعور القومي الوطني التحرري ربما لأول مرة في تاريخ الثقافة الجزائرية.
لقد كان للاستعمار الفرنسي دور كبير في تدني المستوى الثقافي والفكري وخاصة منه الأدبي فيالجزائر، وقد تضافرت الأسباب لابتعاد الجزائريين عن العلم، ليس في طلبه، ولكن في تطويره والارتقاء به، فظل يراوح مكانه نافرا من كل جديد، بل ساده الضعف وأثرت فيه العامية، فرغم محاولات الجزائريين أن يفكوا الحصار الذي ضربه من حولهم الاحتلال الأجنبي، فإن الأدب العربي في الجزائر قد تطبع بطابع خاص نتيجة ضعف اللغة العربية وندرة الاحتكاك بتجارب الآخرين، ومن هنا لم تتقدم فنون الأدب الحديثة في الجزائر كالقصة والمسرحية والنقد.
ثم جاءت بدايات القرن العشرين لتلبس الجزائر ثوبا جديدا لم تلبسه من قبل، هو ثوب التجديد في الحياة في شتى مجالاتها وإن لم يكن تجديدا كاملا أو مشابها للتجديد الذي حدث في الشرق وفي الغرب.
وعن النهضة العربية في الجزائر نجد الشيخ محمد البشير الإبراهيمي يقول:«النهضة العربية في الجزائر بجميع فروعها، وفي مقدمتها نهضة الأدب العربي، وليدة الخمس الثاني من هذا القرن الميلادي، وقد سبقتها إرهاصات وتباشير كلها لم تسبق ابتداء هذا القرن، وسبقها كذلك تقدم مشهود في عربية القواعد، اضطلع به نفر استطاعوا بوسائلهم الخاصة أن ينفلتوا من الحواجز التي وضعها الاستعمار الفرنسي عن قصد في سبيل التعليم العربي، فنفرت طائفة قليلة منهم إلى مصر، ورجعت بزاد من القواعد العربية وسعت به مداها في ذلك القطر المرزوء في جميع مقوماته ومنها اللسان العربي، ونفرت طائفة أخرى كثيرة العدد إلى جامع الزيتونة بتونس.»
أدت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دورا بارزا في محو الأمية عن الشعب الجزائري، وبذلك أتاحت لكثير من شباب الجزائر فرصا للنهوض بالعربية وآدابها، فظهر أعلام منهم محمد العيد آل خليفة، والشيخ أحمد سحنون، ومفدي زكريا. ومن أعلام الجزائر أيضا محمد بن إبراهيم ولعله صاحب أول رواية عربية وهي "حكاية العشاق" والتي سبقت رواية زينب ب 66سنة، هذه الرواية التي حققها أبو القاسم سعد الله في السبعينيات من القرن الماضي، ومن أدباء العصر الحديث في الجزائر أحمد رضا حوحو الذي يرجع له الفضل في إرساء القصة القصيرة والمسرح في الجزائر.
ومحمد بن أبي شنب عالم من علماء الجزائر في بدايات القرن العشرين الذي أتقن لغات عديدة ونال شهادة دكتوراه دولة من القسم الأدبي من كلية الآداب بجامعة الجزائر سنة 1922م، وكان موضوع الأطروحة "أبو دلامة حياته وشعره"باللغة الفرنسية. ألف عدة كتب وحقق الكثير من المخطوطات.
ويمتد الأدب الجزائري الحديث إلى غاية نهايات القرن العشرين، ويكون بذلك قد عبر مراحل زمنية متغيرة الأحداث سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، ليعبر في كل مرة عن آلام وآمال الشعب الجزائري؛ بدءا بالثورة المباركة التي كان لها الفضل في تحرير الجزائر من المستعمر الغاشم، إلى سنوات الاستقلال الأولى.
ب. الأدب الجزائري المعاصر:
يمثل الأدب الجزائري المعاصر، مرحلة جديدة في مسار التطور الأدبي الجزائري والعربي بشكل عام. حيث نلحظ له تطورا على الصعيدين الموضوعي والفني، وذلك تبعا للتغير الحاصل في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بناء على التغيرات التي طرأت في الحياة السياسية أواخر الثمانينيات. «إن الواقع الاجتماعي الذي تغير تغيرا عاما فرض على الشعراء أن يكتبوا نصا جديدا. نصا هو ابن المرحلة، وليس غريبا عنها. يؤسس ويجرب في الوقت نفسه. والنص المعاصر لا ُيُدد من خلال الشكل وحده، وإنما من خلال الشكل والمضمون معا. ... وهل يمكن أن يكون الناص إلا عصريًّا؛ بيد أن هذا لا يمنع أن يعيش الناص عصره مشدودا في الوقت ذاته بحبال عصور غبرت من خلال ارتباطه بالماضي بحكم الثقافة التراثية.»
وبناء على التقسيم الذي ذكرناه سابقا فإن كل أدب جزائري أُنتج خلال المرحلة الممتدة بين أواخر القرن العشرين إلى يومنا هذا يعد أدبا جزائريا معاصرا، ومن أهم رواده نذكر الطاهر وطار، وواسيني لعرج، والطاهر يُياوي، ورشيد بوجدرة، وأمين الزاوي، وربيعة جلطي وأحلام مستغانمي.
الانتكاسة الثقافية أثناء فترة الاحتلال:
بعد نفي الأمير عبد القادر ورجال العلم والأدب وهجرة بعضهم الآخر، ساد الركود في ميادين شتى أهمها ميدان الثقافة والأدب، بل إن حركة التعليم بدأت في الاختفاء وحتى الحس الوطني بدأ في التضاؤل شيئا فشيئا، بسبب إخفاق كل الثورات التي كانت تشتعل هنا وهناك في ربوع الجزائر الشاسعة. لقد يئس أكثر الجزائريين وسط الجهل والأمية والفقر المتفشي في كل مكان، وضعف المستوى الأدبي بسبب ذلك كله.
وحتى نمثل للأدب في هذه المرحلة التي اتسمت بالضعف في شتى المجالات خاصة في جانب اللغة والأسلوب، حيث طغت العامية على الفصحى، نذكر رواية "حكاية العشاق في الحب والاشتياق" لصاحبها محمد بن ابراهيم، التي يصنفها بعض الدارسين في إطار الحكايات الشعبية بسبب العامية التي تخللتها، والرداءة في تركيب أحداثها.
يقول أبو القاسم سعد الله في إحدى مقالاته متحدثا عن الدور الذي أداه الاستعمار الفرنسي في تحطيم كيان الجزائر الأدبي: «وإذا كان الاستعمار قد أفاد بعض البلاد العربية حين نقل إليها المطبعة والصحف والمجالس العلمية ونحو ذلك، فإنه في الجزائر كان على عكس ذلك تماما لم يأت لينشر حضارة وإنما جاء ليسلب أفكار شعب، ويزور تاريخه ويُطم كيانه ويستغل ثروته، وبذلك تعرضت شخصية الأدب التي ظلت محتفظة بمقوماتها وملامحها إلى هزات عنيفة كادت تفقدها تلك المقومات والملامح.»
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليقا إذا كان عندك أي استفسار