تمهيد :
یعـود انبثـاق المنـاهج النقدية الحديثة فـي أوربـا إلـى تـراث ثـري مـن التراكمـات الثقافية والتيارات الفكرية المختلفـة، والتـي كـان سـببا فـي إثرائهـا تقـاطع العديد مـن المعـارف والآداب العالمية لشعوب وحضارات مختلفة، ولقد كان لهذه المناهج أثرها في الدراسات العربية .
أيا كان المــنهج أيا كــان نوعــه واســمه، یتبنــى طريقة فــي التحليل، ولــیس ثمــة مــنهج دون أدوات إجرائية یعمل علیها، والعلاقة بین التحليل والمنهج لا تسمح بعـزل أحـدهما عـن الآخـر، فهي علاقة تداخل، تتضافر كلها من أجل تحصيل الخطاب.
ولقد تبلورت المناهج النقدية واتخذت مسارین فـي توجههـا، "بحیـث قسـم الدارسـون النقـد إلى قسمين: نقد سیاقي وآخر نسقي، ویریدون بالنقـد السـیاقي ذلـك النقـد الـذي یسـترفد نظریـات المعرفـة الإنسـانیة لمحـاور النصـوص مستفيدا مـن مطارحاتهـا الفكرية المختلفـة، ومـن ثـم فهـو ینطلـق مـن الـنص إلـى خارجـه، ثـم یعـود إلیـه بمـا استحصـد معرفـة، إنهـا العملیـة التـي تعطـي للســیاق أولیــة علــى الــنص، وتجعــل هــذا الأخیــر تابعــا لــه، أمــا النقــد النســقي أو النصــي فهــو نشـاط الـذي یغلـق البـاب فـي وجـه السـیاق." أي یقـتحم ویلـج الـنص مـن داخلـه، ویجعلـه بنیـة .مكتفیة بذاتها.
مما لا شك فيه أن هذه المناهج النقدية نتاج ثقافي نقدي، غاياتها واحدة تتآزر من أجل فك شفرات النص الأدبي ومقاربته وتتمايز إلى حد التباين ليأخذ كل منهج منحى مختلفا عن غيره من المناهج ليكتسب خصوصيته واستقلاليته، فمنها من منح السلطة للمبدع وأحاط جوانب حياته، ومنها من افتك تلك السلطة وأرجعها للنص، ومنها من تذكر القارئ وجعلها له، وكل منها نظر إلى النص من زاوية خاصة لم تتمكن من إشباعه بالدراسة، هذا زيادة على ما تحمله هذه المناهج من خلفيات وفلسفات تعذر على الكثير من نقادنا فك أبجديتها ، من هذا المنطلق بدأت إشكالية المنهج تطرح، وأقيمت حوله دراسات عديدة للبلوغ إلى الشمولية والكمال، ومن هنا شكل المنهج الشغل الشاغل بالنسبة للنقاد والباحثين.
عندما نتحدث عن النقد المعاصر نقصد بذلك النقد الحديث الذي ظهر مغاير للنقد المعروف بالتقليدي، الذي يستعمل مختلف آليات التحليل والتعليل والكشف بواسطة المناهج الجديدة التي توصل إليها الدارسون، فبعد أن كان الناقد يعتمد في تقييم الأعمال الأدبية على الذوق ومقارنة الأعمال فيما بينها أصبح اليوم يعتمد على مناهج علمية وموضوعية في أن واحد، وذلك في ظل ثقافة جديدة تنحوا تجاه العالمية بالاعتماد على مرجعيات ومعارف متطورة ومغايرة لما كان سائدا.
تعريف المنهج لغة واصطلاحا:
جاء في معجم لسان العرب في مادة نهج: "والمنهاج: الطريق الواضح/والنقد هو تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها، ويأتي بمعنى فَحْص الشيء وكَشْف عيوبه. أمّا في الاصطلاح، فالنَّقْد هو تمحيص العمل الأدبي بشكلٍ متكاملٍ حال الانتهاء من كتابته؛ إذ يتمّ تقدير النصّ الأدبيّ تقديراً صحيحاً يكشِفُ مواطن الجودة والرداءة فيه، ويبيّن درجته وقيمته، ومن ثمّ الحكم عليه بمعايير مُعيّنة، وتصنيفه مع من يشابهه منزلة.
المنهج النقدي الأدبي هو عبارة عن خطة مرسومة يسترشد بها الناقد أثناء تقويمه للعمل الأدبي، فإما يتعامل مع الأثر الأدبي والإبداعي بطريقة ذاتية انطباعية ذوقية، وإما يعتمد على طرائق علمية وصفية موضوعية لتفادي الأحكام المعيارية والتقويم الذاتي التفضيلي الذي يتغير من موقف سياقي الى آخر.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليقا إذا كان عندك أي استفسار