- تعريف الأسلوب اصطلاحا :
نعرف الأسلوب على أنه الطريقة التي يستعملها الكاتب في التعبير عن موقفه، والإبانة عن شخصيته الأدبية المتميزة عن سواها، إذ يختار المفردات ويصوغ العبارات، ويأتي بالمجاز والإيقاع اللذين يناسبان نصه، حتى قيل الأسلوب هو الرجل.
· تعريف الأسلوبية ونشأتها :
ترجع بوادر الأسلوبية إلى العالم اللغوي السويسري فرديناند دي سوسير (1857-1913م)، واضع علم اللسانيات، والذي استطاع التفريق بدقة بين اللغة والكلام بمعادلته الشهيرة: "اللسان في نظرنا هو اللغة ناقص الكلام"، وأوضح أن اللسان هو: "نتاج اجتماعي لملكة اللغة، فهو مجموعة من الأعراف الضرورية التي يستخدمها المجتمع لمزاولة هذه الملكة عند الأفراد" ، وأنه نتيجة لعلميات متواصلة للكلام عبر الزمن، أما الكلام فهو تطبيق صوتي، وتركيبي ومعجمي، واللسان هو الذي ينتجه.
ثم أتى تلميذه المختص في السنسكريتية واليونانية الباحث اللساني شارل بالي (1865-1947م)، ليشرح مفاهيم دي سوسير في اللسانيات، ليعكف بعدها على دراسة الأسلوب، فكان هو أول من أرسى قواعد الأسلوبية المعاصرة منذ سنة 1902م.
ووصف جوليان غريماس، وجوزيف كورتيس الأسلوبية بأنها: "مجال بحثي يندرج ضمن التقليد البلاغي،لم تفلح في تنظيم نفسها في علم مستقل"، بينما وسم كل من تزفيتان تودور، وأوسوالد دوكرو (ولد 1930م) الأسلوبية أنها: "الوريث المباشر جدا للبلاغة".
لكننا في المقابل نجد مجموعة من الذين اختاروا السير قدما في درب الأسلوبية قد تهجموا على البلاغة ووصفوها بالعجوز، ومنهم ميكائيل ريفاتير حيث اعتبر البلاغة المعيارية من عراقيل الأسلوبية.
والأسلوبية بوصفها منهجا نقديا يصنفها جون دوبوا على أنها:"فرع من فروع علم اللسان"، وهذا ما يؤكده ميشال أريفي بقوله: "الأسلوبية وصف للنص الأدبي حسب طرائق مستقاة من اللسانيات"، وهو إثبات لدور اللسانيات في بلورة مفهوم الأسلوبية،
وقد نادى رومان ياكبسون (1896-1982) في إحدى محاضراته الشهيرة إلى توثيق العلاقة بين اللسانيات والأدب عموما".
ثم نادى عبد السلام المسدي بمد الجسور بين النقد وعلم اللسان عن طريق علم الأسلوب"، مؤكدا أن المعرفة الإنسانية هي مدينة للسانيات بفضل كثير، سواء في مناهج بحثها أو في تقدير حصيلتها العلمية"، وكذلك جون لويس كابانيس الذي دافع عن قوة العلاقة بين علم اللسان والنقد الأدبي، من خلال بيان مظاهر التأثير اللساني في النقد (دروس سوسير، مبادئ الشكلانيين الروس، ...).
والأسلوبية تهتم بالسياق للإحاطة بالدلالة، فالسياق وحده:"هو الذي يوضح لنا ما إذا كانت الكلمة ينبغي أن تؤخذ على أنها تعبير موضوعي صرف، أو أنها قصد بها أساسا التعبير عن العواطف، والانفعالات وإلى إثارة هذه العواطف والانفعالات، ويتضح هذا بخاصة في مجموعة معينة من الكلمات نحو:حرية، عدل، التي قد تشحن في كثير من الأحيان بمضامين عاطفية" .
أو كما يقول بلومفيلد:"إن دلالة صيغة لغوية ما إنما هي المقام الذي يفصح فيه المتكلم عن هذه الدلالة والرد اللغوي أو السلوكي الذي يصدر عن المخاطب" ، وهذا ما يوضحه أكثر أندري مارتيني (1908-1999) بقوله:"خارج السياق لا تتوفر الكلمة على معنى" ، وأعطى بول جون أنطوان مييي (1866-1936) وجها إحصائيا للسياق حينما أكَّد أنه:"لا يتحدد معنى الكلمة إلا من خلال معدل استخداماتها" ، لهذا كان أشهر شعار لدى لودفيغ فيتغنشتاين (1889-1951) "المعنى هو الاستعمال"، وهو الشعار الذي تلقَّفه عبد السلام المسدي حينما وسم الأسلوب بالعبارة التالية:"الأسلوب هو الاستعمال ذاته، فكأن اللغة مجموعة شحنات معزولة.
فالأسلوب هو إدخال بعضها في تفاعل مع البعض الآخر كما لو كان ذلك في مخبر كيماوي" ، فالكلمة لوحدها معزولة لا نستطيع الجزم بمدلولها، وتبقى الدلالة المعجمية لها مفتوحة على كل التأويلات، أما حين استخدامها في الجملة والنص فيمكن استبعاد بعض الدلالات والاقتراب من دلالات ممكنة أخرى، أو حصرها في دلالة واحدة لا غير.
1- اتجاهات الأسلوبية :
وهي كما يلي:
أ- أسلوبية التعبير:
أسلوبية التعبير أو الأسلوبية الوصفية تعنى بمعالجة تعبير اللغة بوصفه ترجمان أفكارنا. ويعد شارل بالّي رائدها بدون منازع ولا مدافع. وهو يحدد الأسلوبية بأنها: "دراسة أحداث التعبير اللغوي المنظم لمحتواه العاطفي، أي دراسة تعبير اللغة عن أحداث الحساسية، وفعل أحداث اللغة على الحساسية" . فهذه الأسلوبية –كما يؤكد بيير غيرو- تعبيرية بحتة، ولا تعني إلا الإيصال المألوف والعفوي، وتستبعد كل اهتمام جمالي أو أدبي".
ب- أسلوبية الفرد:
أسلوبية الفرد أو الأسلوبية التكوينية ظهرت على يد النمساوي ليو سبيتزر، كرد فعل على أسلوبية بالي، وبتأثير مباشر من أستاذه الألماني كارل فوسلير (1872-1949). ويرى سبيتزر أن الفرد مستعمِلَ اللغة غير ملزم بالتقيد بقواعد اللغة المتعارف عليها، بل بإمكانه أن يتملص منها، ويبدع تركيبا لغويا جديدا يميزه عن غيره، ويكون بمثابة أسلوب خاص به وحده. وتكمن مهمة الناقد الأسلوبي في دراسة تلك الخواص اللغوية المتفردة الدالة على شخصية الكاتب.
ج – الأسلوبيّة البنائيّة :
وهي امتداد لآراء سوسير في التفريق بين “اللغة”، و”الكلام” كما تعدّ امتدادًا لمذهب بالي في الأسلوبيّة التعبيريّة الوصفيّة، وفقد طور البنائيّون في بعض الجوانب، وتلافوا بعض جوانب النقص عند سابقيهم حيث عايشوا الحركة الأدبيّة، وهنا يكون التحليل الأسلوبيّ خاضعًا لتفسير العمل الفنّيّ باعتباره كائنًا عضويًّا شعوريًّا.
د- الأسلوبيّة الإحصائيّة :
وهذا الاتّجاه يعنى بالكمّ، وإحصاء الظواهر اللغويّة في النصّ، ويبني أحكامه بناء على نتائج هذا الإحصاء. ولكنّ هذا الاتّجاه إذا تفرّد فإنّه لا يفي الجانب الأدبيّ حقّه لأنّه لا يستطيع وصف الطابع الخاصّ، والتفرّد في العمل الأدبيّ، وإنّما يحسن هذا الاتّجاه إذا كان مكمّلاً للمناهج الأسلوبيّة الأخرى.
ويبقى أنّ المنهج الإحصائيّ أسهل طريق لمن يتحرّى الدقّة العلميّة، ويتحاشى الذاتيّة في النقد، فيجب أن يستخدم هذا المنهج كوسيلة للإثبات، والاستدلال على موضوعيّة الناقد أي بعد أن نتعامل مع النصّ بالمناهج الأخرى التي تبرز جوانب التميّز في النصّ.
ه– الأسلوبيّة الأدبيّة :
وهي تعنى بدراسة الأسلوب الأدبيّ بجانبيه الشكليّ، والمضمونيّ، ويسعى أصحاب هذا الاتّجاه إلى اكتشاف الوظيفة الفنّيّة للغة النصّ الأدبيّ، وذلك عن طريق التكامل بين الجانب الأدبيّ الجماليّ الذي يهتمّ به الناقد، والجانب الوصفيّ اللغويّ اللسانيّ. وهذا هو الذي يميّز هذا الاتّجاه عن الاتّجاه اللغويّ الذي لا يهتمّ بالمعنى، وإنّما بالشكل والصياغة.
2- مقولات الأسلوبية :
أ-الاختيار:
إن لغة النص الأدبي هي لغة مميزة، وهذا التميز يبين لنا أن الكاتب أو الشاعر قد اختار من المعجم اللغوي الضخم مجموعة من الكلمات حتى يستطيع تكوين رسالته وإحداث الأثر المرجو منها وبالتالي التواصل مع المتلقي، فلغة النص الإبداعي الأدبي هي لغة مختارةة بعناية ودقة.
ب-التركيب:
إن تركيب النص الإبداعي خاصة حين ثورته على النمط النحوي المعتاد الذي يحترم قانون النحو، وتكوينه لتركيب جديد غير مألوف لدى المتلقي هو الذي يبعث الدهشة والتوتر، ومن هنا كانت الأسلوبية متتبعة له محاولة طرح السؤال "لماذا؟".
ج-الانزياح:
يشرح لنا انكفست الانزياح (أو الانحراف)بقوله: سنستعمل مصطلح انحراف لنقصد به الخلاف بين النص والمعيار النحوي العام للغة ،فالانحراف إذن هو الخروج عن المألوف المعتاد في الكلام العادي بين الأفراد في المجتمع، والاتجاه نحو صيغة كلامية تبعث الإيحاء وتحث على التأويل.
3- المستويات الأسلوبية:
الصوت (أو الإيقاع): يرى أحد الباحثين أن الإيقاع:"هو تنظيم لأصوات اللغة بحيث تتوالى في نمط زمني محدد، ولا شك أن هذا التنظيم يشمل في إطاره خصائص هذه الأصوات كافة ، وعليه فما على الباحث الأسلوبي إلا دراسة الوزن والنبر والتنغيم والوقوف للإحاطة بما يحمله المقطع الشعري من مشاعر وعواطف وأحاسيس الشاعر والتي تتجسد في إيقاع الحرف والكلمة والعبارة، بالإضافة إلى البحر والقافية.
ب –التركيب : وهو عنصر مهم في بحث الخصائص الأسلوبية كدراسة طول الجملة وقصرها وعناصرها مثل المبتدأ والخبر، الفعل والفاعل، الصفة والموصوف وكذا ترتيبها.
ج- الدلالة: يهتم علم الدلالة بـ: الجانب المعجمي، وما تدل عليه الكلمات، مع تتبع لمستجدات المعنى الذي يلحق بتلك الدلالات، أو ما يدفع – بسبب التطور- إلى أن يتبدل ما تشير إليه تلك الكلمات أو سواها.
مآخذها :
بَيْدَ أنّ من أهمّ سلبيّات الأسلوبيّة أنّ موضوعها لم يتحدّد بدقّة، ولم يتوضّح مجالها التخصّصيّ بشكل كافٍ؛ نظرًا إلى تداخل الأسلوبيّة مع مجموعة من المعارف، مثل: اللسانيّات، والبلاغة، والتداوليّات، والشعريّة، والسيميائيّات، والنقد الأدبيّ… ويعني هذا أنّ الأسلوبيّة لم تحدّد بدقّة موضوعها، ومجال اكتمالها، ومنهجيّتها الخاصّة في التعامل مع الظواهر الأسلوبيّة. ويضاف إلى هذا، أنّ المفاهيم التي تشتغل عليها، والمواضيع التي تؤرّقها، هي المواضيع نفسها التي تناولتها العلوم والتخصّصات الأخرى.
وإذا أخذنا، مثلاً، قضيّة الأدبيّة، وتقعيد الأجناس الأدبيّة، وقضيّة الانزياح، والحقيقة والمجاز، والصور البلاغيّة، فهي الاهتمامات نفسها التي اهتمّت بها الشعريّة، والبنيويّة اللسانيّة، والسيميائيّات، والتداوليّات… علاوة على هذا، فالتركيز كثيرًا على الأسلوب لسانيًّا وإحصائيًّا يحوّل الدراسة إلى وثيقة علميّة، وكمّيّة، وشكليّة، تخلو من المتعة الانطباعيّة، وتفتقر إلى الجماليّة الذوقيّة. ومن جهة أخرى، تعطي الأولويّة للأسلوب على حساب الدلالة والمرجع.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليقا إذا كان عندك أي استفسار