تمهيد :
ازداد الاهتمام بالفلسفة والعلوم الإنسانية بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة في الغرب، إذ بدأت الحركة النقدية تعيد النظر في التراث الفكري والفلسفي الغربي، فظهرت مقاربات عُرفت بـ “ما بعديات”، كأسس نقدية للفكر الثقافي الغربي، ومن إنتاجات تلك الحركة الثقافية والمعرفية التي عرفت باسم “ما بعديات”؛ مفهوم ما بعد الحداثة وهو المفهوم المركزي في النقد الادبي والفلسفي. ويرتبط هذا المصطلح بمجموعة متنوعة للغاية نادراً ما يرتبط بعضها مع بعض بأمور مشتركة.
وتظهر فكرة ما بعد الحداثة في نقد التوجهات الادبية والفلسفية التي قامت عليها الحداثة، ويرى بعض المنظرين والفلاسفة أن ما بعد الحداثة لها علاقة وطيدة بالتحولات الاجتماعية والسياسية التي حصلت في المجتمعات الصناعية مثل ما عرف ما بعد الصناعة أو مجتمع المعرفة.
تعریفها : نشـأت هـذه النظریـة وقامـت علـى أنقـاض البنیویـة, ازدهـرت فـي السـبعینات مـن القـرن الماضــي، "وتــربط التفكیكیــة أو التقــویض باســم الكاتــب الفرنســي جــاك دریــدا derrida الــذيعرف بتعدد جوانبه وخصب اهتماماته.
فـإن عملیـة التفكیـك تـرتبط أساسـا بقـراءة النصـوص وتأمـل كیفیـة إنتاجهـا للمعـاني، ومـا تحملـه مـن تنـاقض، فهـي تعتمـد علـى حتمیـة الـنص وتفكیكـه. "تخـرب كـل شـيء فـي التقالیـد تقریبـا، وتشـكك فـي الأفكـار الموروثـة عـن العلامـة، اللغـة، الـنص، السـیاق، المؤلـف، القـارئ، ودور التاریخ وعملیة التفسیر وأشكال الكتابة النقدیة.
أي مــنهج التفكیــك یقــوم علــى التقــویض وهــدم الفكــر القــدیم والقــراءة النقدیــة المزدوجــة ویسعى إلى تفكیك البنیة وتحویل الثابت وتثبت المتحول.
وتنصـب الدراسـة التفكیكیـة علـى النصـوص الأدبیـة، محللـة إیاهـا وكاشـفة عـن معانیهـا. ومواطن القلق بهـا، وسـلبیاتها ویتطلـب هـذا قـراءة الـنص قـراءة مزدوجـة فهـو مـن ناحیـة یكشـف ویعري المقولة العقلانیة التي یرتكز علیها النص، ویلفت النظر إلى لغة الـنص وا ٕ لـى مكوناتهـا
البلاغیــة ومحســـناتها البدیعیـــة ویشـــیر إلـــى وجـــود الـــنص فـــي شـــبكة مـــن العلاقـــات النصـــانیة ودوال.
یـــرى الـــبعض التفكیكیـــة فـــي بعـــض أجزائهـــا رد فعـــل حـــذر للمیـــل الفكـــر البنـــائي إلـــى استئناس تبصـراته وتأهیلهـا لتكـون فـي مسـتوى فهـم العامـة. أي أن أصـحاب التفكیكیـة حـاولوا اقتراح مفاهیم بالغة التعقید لكونها مبهمة وغیر واضحة.
روادها :
- جاك دریدا: یعتبر مـن مؤسسـي التفكیكیـة لمقارنتـه للنصـوص ونقـده لهـا، ومـن أقـدم مؤلفاتـه وأشهرها كتابه "في الكتابة" أما كتابـه الثـاني فهـو "الكتابـة والاخـتلاف" أمـا كتابـه الثالث "الكلام والظواهر" فیغلب علیه الطابع الفلسفي.
التفكیكیــة كمـــا یصـــورها جـــاك دریـــدا هــي كهـــدم منهجـــي للمیتافیزیـــا الأوروبیـــة، یمكـــن تحدیدها لتفكیك الفكر النقدي أي تفكیك النظام الفلسفي واللغوي.
- بــول دي مـــال: یعتبــر مــن مؤسســي الفكــر التفكیكــي مــا ضــمنه كتابــه "العمــى والبصــیرة" و"أمثولات القراءة"، حیـث اتفـق مـع أسـس فكـر دریـدا وخاصـة مـا یتعلـق بـالتمییز بـین الخطـاب الفلسـفي والأدبـي، ونظـر كلیهمـا إلـى الفلسـفة علـى أنهـا كتابـة أدبیـة ویركـز فـي قـراءة الـنص الأدبي وتحلیله على مواطن الضعف والاضطراب في النص.
* في النقد العربي :
انتقلــت التفكیكیــة إلــى الخطــاب النقــدي المعاصــر انتقــالا محتشــما ومتــأخرا نوعــا مــا، ویمكــن أن نقــول أن بدایــة التفكیكیــة العربیــة مــع تجربــة نقدیــة رائــدة للناقــد الســعودي عبــد االله الغـذامي لتفسـح المجـال أمـام تجـارب نقدیـة أخـرى. 1ومـا كتـب فـي الدراسـات العربیـة عـن هـذا الاتجاه كانت دراسة مستقلة للتعریف به والإلمام بمقوماته.
- هشام صـالح: "التأویـل / التفكیـك مـدخل ولقـاء مـع جـاك دریـدا"، ویعتبـر مـن الكتـب العربیـة النقدیة المتأثرین بالفكر الغربي.
- عبد العزیز بن عودة: "موقع لمقاربة اختلاف دریدا".
حیـث لـم یتفـق العـرب حـول ترجمـة المصـطلح، فمـنهم مـن یصـطنع التفكیكیـة فـي حـین یـذهب الآخـر إلـى اسـتخدام مصـطلح التقـویض أمـا الآخـرون فیسـتخدمون التشـریحیة مثـل عبـد الله الغذامي.
- مبادئ التفكیكیة:
•الاختلافDifférance : تعــــد مقولــــة الاخــــتلاف إحــــدى المرتكــــزات الأساســــیة للمنهجیــــة التفكیكیـة، فقـد حـدد دریـدا مفهومـه لهـا فـي بحـث بعنـوان "الاخـتلاف" نشـر فـي كتابـه "الكـلام والظاهرة". والذي یعني به الإزاحة التي تصبح بواسطتها اللغة أو الشفرة أو أي نظام مرجعـي هـام ذي میزة تاریخیة عبارة عن بنیة من الاختلافات.
أي أن مصـطلح الاخـتلاف یقـوم علـى تعـارض الـدلالات، وهنـاك علامـات تختلـف كـل واحــــدة عــــن الأخــــرى، فیخــــرج مصــــطلح الاخــــتلاف مــــن دلالتــــه المعجمیــــة ویكتســــب دلالــــة الاصطلاحیة
• الكتابـة أو علـم الكتابـة : Gramatologyیهـدف جـاك دریـدا إلـى تقـویض الفلسـفة الداعیـة إلى إدراك الحضور أو المنطق وتفكیك التطلعات الفلسفیة منذ القدیم والتي كانت تدعي وجـود شـيء یسـمى الحقیقـة أو المـدلول خـارج نطـاق اللغـة، ویقصـد بعلـم الكتابـة هـو الكتابـة العامـة التــي تتضــمن الكــلام والكتابــة العادیــة، ویــذهب "تزفیتــان تــودوروف" أن الكتابــة معنیــین فهــي حسب المعنى الضعیف لكلمة كتابة تعني النظام المنقوش للغة المدونـة، أمـا فـي معناهـا العـام فهي كل نظام مكاني ودلالي مرئي.
• التمركــز حــول العقــل Logocentrism: الــذي یعمــل علــى تــذویب الــنص لیصــبح مقطــع الأوصـال ممـا یـؤدي إلـى نقـض المعنـى الأصـلي بـافتراض معنـى جدیـد هـو فـي حقیقتـه عبـارة عن إیحاءات لا طائل من ورائها إلا الغموض.
• مـوت المؤلـف: یعتبـر مقـال رولان بـارت "مـوت المؤلـف "The death of the author الذي نشره عام 1961للتعبیر الرسمي عـن الانتهـاء الكلـي لعهـد الاحتفـاء بـالمؤلف، إذ یقـول: "إن الكتابة هدم لكل صوت ولكل نقطة انطلاق .. الكتابة هي السواد والبیـاض الـذي نتـوه فیـه كل هویة بدءا بهویة الجسد الذي یكتب.
مقولة موت المؤلف تهـدف إلـى إقصـاء المؤلـف وانتزاعـه مـن الـنص انتزاعـا، بقـدر مـا تهدف إلى تخلیص النص من شروط الظرفیة وقیود .
نقد التیار التفكیكي :
- یعتبــر جــون إلــیس John Ellisواحــدا مــن أبــرز الرفضــین للتفكیــك وقــد جــاء فــي كتابــه" ""Against Deconstructioهجومـا عنیفـا، ورأى أن لـیس فـي التفكیـك جدیـد وكـل مـا فعلـه التفكیكیـون أنهـم اسـتخدموا مصـطلحات نقدیـة جدیـدة للتعبیـر عـن مقـولات مـن سـبقهم إلیهـا مـن نقاد آخرین.
- یقوم النقد التفكیكي على مواقف استعراضیة أو استفزازیة تصـادف هـوى مـن جانـب المثقـف الأمریكي صاحب مزاج ذاتي خاص أكثر مما یقوم على مرتكزات نظریة یسهل تطبيقها .
- الأفكـار التـي تبنتهـا التفكیكیـة كانـت مـن أقـوى معـاول هـدمها فكـرة غیـاب المركـز المرجعـي للنص.
- المبالغة في القول بموت المؤلف النص وعدم ثبات معاني النص .
- رؤية فلسفية غامضة في طرحها النظري والمنهجي، وأن مقولاتها ومفاهيمها أكثر تعقيدا وصعوبة وابهاما.
- ان التفكيكية باعتبارها ايديولوجية راديكالية متشبعة بأفكار كارل ماركس الثورية، فهي تحسب على سياسة اليسار.
- تحاول التفكيكة نزع مركزية العقل باستخدام أسس عقلانية أخرى،
- هي فلسفة عدمية فوضوية تحاول هدم الأسس الفكرية التاريخية لكنها غير قادرة على الخروج منها.
تعليقات
إرسال تعليق
أترك تعليقا إذا كان عندك أي استفسار