القائمة الرئيسية

الصفحات


 مفهوم النقد :

     النقد الأدبي  هو دراسة ونقاش وتقييم وتفسير الأدب.  حيث يعتمد النقد الأدبي الحديث في الأغلب على النظرية الأدبية وهي النقاش الفلسفي لسبل النقد الأدبي وأهدافه، ورغم العلاقة بينهما فإن النقاد الأدبيين ليسوا دوما منظرين.

    كذلك هو فن تفسير الأعمال الأدبية، وهو محاولة منضبطة يشترك فيها أمرين  ذوق الناقد وفكره، للكشف عن مواطن الجمال أو القبح في الأعمال الأدبية. ويعتبر الأدب سابق للنقد في الظهور، فلولا وجود الأدب لما كان هناك نقد أدبي لأن قواعده مستقاة ومستنتجة من دراسة الأدب.

    إن الناقد ينظر في النصوص الأدبية شعرية كانت أو نثرية ثم يأخذ الكشف عن مواطن الجمال والقبح فيها مبرهنا على  ما يقوله ومحاولاً أن يثير في نفوسنا شعور بأن ما يقوله صحيح وأقصى ما يطمح إليه النقد الأدبي، لأنه لن يستطيع أبداً أن يقدم لنا برهاناً علميا يقيناً.

     ولهذا لا يمكن القول بوجود نقد أدبي صائب وآخر خاطئ وإنما يوجد نقد أدبي أكثر قدرة على تأويل العمل الفني وتفسيره من غيره واختلاف مناهج النقد معناه اختلاف في وجهات النظر. والذوق هو المرجع الأول في الحكم على الأدب والفنون لأنه أقرب الموازين والمقاييس إلى طبيعتها، ولكن الذوق الجدير بالاعتبار هو الذوق المصقول لذوق الناقد الذي يستطيع أن يكبح جماح هواه الخاص الذي قد يجافي في الصواب، الخبير بالأدب الذي راضه ومارسه، وتخصص في فهمه ودرس أساليب الأدباء ومنح القدرة على فهم أسرارهم والنفوذ إلى دخائلهم وإدراك مشاعرهم وسبر عواطفهم، بفهمه العميق وحسه المرهف وكثرة تجاربه الأدبية لذلك لابد أن يتمتع الناقد بعدة صفات منها: قدر وافر من المعرفة والثقافة والبصر الثاقب الذي يكون خير معين له على إصدار الحكم الصائب.

    فالأدب ونقده ذوق وفن، قبل أن يكون معرفة وعلما وإن كانت المعرفة تعين صاحب الحس المرهف والذوق السليم والطبع الموهوب.

  تمهيد حول النقد العربي الحديث :

   أفاق النقد العربي الحديث على وقع رجة قوية خلخلت قاعدة الشعر العربي، ودكت حصونه المنيعة المهيبة ، وساهم في هذه الرجة نقاد ملهمون وجريئون برزوا من خلال جو أدبي ونقدي باهت ،فأرادوا التوجه بطموحهم إلى بعث الشعر العربي ، والارتقاء  به ،وتجديده بما يتلاءم مع روح العصر الذي آل إليه ، مستتذكرين في ذلك أفكار أهم التيارات النقدية ،والفنية،والفلسفية و الأدبية الحديثة في العالم .

أ ـ سياقات النقد الحديث :

ـ السياق الزمني :

    للسياق الزمني علاقة مباشرة  مرتبطة بدلالة مصطلح " الحديث "، إذ اتفق معظم الدارسين على أن مصطلح " حديث"، يستعمل للدلالة على كل الكتابات النقدية التي أنتجت وظهرت  في الفترة الممتدة من بداية النهضة العربية و التي يؤرخ لها بحملة "نابليون بونابرت" على مصر ( 1798 ) إلى ما قبل الخمسين سنة الأخيرة ، وما سبقت كتابته قبل هذه الفترة يعد قديما ، أما ما كتب بعدها فيعد معاصرا .

ـ السياق الثقافي و التاريخي :

     لعل أنسب محطة يمكن  البدأ و الانطلاق منها في الحديث عن أي نشاط معرفي أو أدبي عربي حديث، هي محطة النهضة العربية باعتبارها منطلقا لكل تحول حصل في مجال الانتاجالمعرفي و الابداعي و النقدي العربي .

   مفهوم النهضة :

    يحيلنا مصطلح النهضة مباشرة إلى وضعين مختلفين،وضع سابق ،وهو بالبداهة سلبي وسيئ ومتردّ، ووضع آني إيجابي ومخالف للأول في جميع نواحيه ،لهذا يعد الوصول إليه انتصارا ونهوضا ومحاربة  للفاسد و المختل ،فإذا كان ذلك الإصلاح جذريا و شاملا بحيث يؤدي إلى تغيير فعلي وحقيقي غير عارض و لا سطحي ،صح إطلاق مصطلح "النهضة " ،هذا هو - في العموم - المفهوم الذي منحه الباحثون للمصطلح ،وسوف نكتفي  هنا بإيراد تعريف واحد يغني عن غيره ؛ حيث نجد  "أدونيس" يقول في تعريف النهضة ":إن مفهوم النهضة يرتبط إذن ارتباطا جذريا وعميقا بمفهوم التغيير ،فحين نقول :نهضة نعني انتقالا من وضع سابق أو ماض ،إلى وضع حاضر مغاير ، ،ونعني بالضرورة أن الوضع الجديد متقدم نوعيا في حركته ،على الوضع الماضي" ،هكذا تكون النهضة هزة عنيفة تنشد التغيير ،وحركة تنويرية تهدف إلى إزاحة كل ما يقف حائلا دون التقدم والرقي.

      وبالبحث عن بدايات هذا الحدث نجد إتجاهين مختلفين ؛فإذا كان بعض مؤرخي الأدب العربي يعزون النهضة العربية إلى القرن التاسع عشر الذي شهد العديد من الأحداث الكبرى ، والتي كان من شأنها أن غيرت مصير الأقطار العربية، وأيقظتها من سباتها الذي غرقت فيه لزمن غير يسير ، فإن البعض الآخر يرى أن ثمارهذه النهضة تلك التي قطفت في القرن التاسع عشر،إنما انغرست بذرتها منذ قرن سابق على أقل تقدير ،وحجتهم في ذلك، تلك المراكز العلمية التي أشعت في القرن الثامن عشر على كل من مصر و العراق وسوريا ،ويكفي أن نعرف بأن الأزهر وصل في تلك الفترة  إلى درجة عالية من التألق والريادة سمحت له بأن يضيء طريق الكليات القاهرية ،ويسندها في طريق التنوير .أما العراق فقد كان يحتضن عواصم علمية ثلاث ؛هي بغداد و الموصل و البصرة ،هذا فضلا عن الكليات الشيعية بالنجف و كربلاء ،وكانت سوريا تشهد أيامها تلاقحا مثمرا بين ثقافتين اثنتين ؛ثقافة عربية إسلامية يرفد حاملوها العلم من مشايخ الأزهر والعراق ،وثقافة مسيحية حرص أصحابها على إجادة اللغة العربية حتى يتسنى لهم تبوء مناصب ذات شأن في الدولة .غير أن التيارين كليهما ،ساهما بشكل كبير ،في إضاءة مسار رواد الأدب و الشعر الأوائل في بلاد الشام .

      من هنا يمكننا القول : بأن النهضة العربية هيئت أسبابها في بدايات القرن التاسع عشر ،وجنيت ثمارها في النصف الثاني منه صحيح ،لكنها تدين ببعض الفضل لمن عاشوا قبل ذلك من النشطين في المجال الفكري و الأدبي .و إن لم يكونوا قد تمكنوا – في ظل غياب الشروط التاريخية اللازمة ،وعدم مواءمة المعطيات الاجتماعية و السياسية – من أن يصنعوا نهضة بالمفهوم التنويري و التقويضي والشمولي ، فما من شك في أنهم أرهصوا ومهدوا  لها .وبذلك عبدوا السبيل إلى كل من جاء بعدهم من الرواد والأعلام الذين سيصعب الحديث عن مسيرة النهضة العربية وجوانبها المختلفة بدون ذكرهم ، فهم من سددوا خطاها وسطروا أهدافها، ورسخوا أقدامها في أرض البلاد العربية ،وذلك بمساعدة ظروف وعوامل كثيرة ،  ومعنى كلامنا  هذا أن هذه النهضة، إنما هي حصيلة عاملين مهمين  وأساسين أحدهما  : ظهور أعلام كبار أشرفوا على تأطيرها وتنظيمها ،و ثانيهما  : توفر شروط موضوعية ساعدت على إقامتها و توطيد دعائمها ،وأبرز ما في هذه    الشروط : الانفتاح العربي على الآخر ،ذلك الانفتاح الذي بدأ مع حملة "نابليون بونابرت" على مصر سنة ، 1798 فرغم أن الفرنسيين لم يقيموا في البلاد إلا قليلا ،إلا أن حضورهم أحدث زلزالا قويا امتد تأثيره إلى جميع النواحي  ، وعم صداه أكثر الأرجاء العربية في مقدمتها مصر و سوريا و لبنان .

بدايات النقد الأدبي في عصر النهضة :

ما يمكننا قوله بخصوص النقد الأدبي ،أن نهضته أخرت إلى بدايات القرن العشرين ،مع كل من "خليل مطران" ومدرسة (الديوان) و"طه حسين "و"أبو القاسم الشابي" و "حمود رمضان" وغيرهم . وقبل هذه الفترة، لا نكاد نهتدي إلا لبعض الأعلام المعدودين، الذين اقتصرت جهودهم ومساهماتهم على محاولات بعث بعض الأفكار التي كانت سائدة بين النقاد القدامى ،وقد قدمت للأدباء والنقاد على شكل تعاليم ومواعظ موجهة للأدباء . ومن بين  المصنفات التي ظهرت في هذه المرحلة المبكرة جدا من تاريخ النقد الحديث :

ـ " مصباح الأفكار في نظم الأشعار " لـ "شاكر شقير " ، ظهر سنة 1873

ـ " الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية " لـ " حسين المرصفي " ، والكتاب في أصله جملة من الدروس ، حيث كان (المرصفي) قد ألقاها على طلبته في  دار العلوم ، حيث سار فيها على نهج النقاد القدامى في فهمهم لطبيعة للشعر، وفي تعاطيهم مع هذه  النصوص ،وفي نظرتهم لوظيفة النقد والناقد ،وفي المحصلة  يمكن القول  أن  (المرصفي) استطاع أن يحيي التراث النقدي العربي،تماما كما استطاع "البارودي" أن يساهم في  بعث الشعر العربي .

ـ "المواهب الفتحية " لـ "حمزة فتح الله" ما يميز هذا المصنف أنه جنح مباشرة إلى الجانب التطبيقي ،حيث تناول بالدراسة عشر قصائد قديمة ،و عشر خطب ،وعشر رسائل أدبية ، كما عمد إلى المقارنة بين عدد من النصوص الشعرية، معتمدا في كل ذلك على معايير النقد القديم، و أصوله ،وقد أظهر (حمزة فتح الله) في هذا الكتاب، إلماما واسعا بتاريخ النقد العربي،وسياقاته ،وأبان عن مكانة فنية في مستوى ذائقة كبار النقاد القدامى .

    هذه هي الكتب الطليعية التي اختصت بالنقد الأدبي في مطلع النهضة العربية الحديثة ،وهؤلاء هم النقاد البارزون في تلك الفترة ،وإلى جانبهم يمكن أن نذكر أسماء أخرى، لم يكن إنتاجها من الغزارة بحيث يسمح بتأليف كتاب ، ومع ذلك فقد كان للعدد المحدود من المقالات التي نشرت في الصحف الموجودة آنذاك أن يع ّرف بهم ، و يقدمهم للجمهور على أنهم نقاد يعتد بأفكارهم و كتاباتهم، منهم: " ناصيف اليازجي " 1800ـ 1883) الذي اشتهر بمقال له نشر في مجلة "المقتطف" ، تحدث فيه عن مفهوم النقد ،و شروط الناقد .

    و(محمد المويلحي) الذي اشتهر بانتقاده لـ (أحمد شوقي)، حيث أنكر عليه محاكاته لأساليب القدامى في عدد من قصائده ، غير أنه لم يقلل من قيمته كشاعر عظيم .






تعليقات

تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم - تى جو